Thursday, February 12, 2009

في ذكري رحيل الجسد

هنا في وجداني مشهدين في كلاهما أنا وأبي.
الأول في غرفة العناية المركزية بمستشفي القصر العيني.
يرقد طفل يلفظ أنفاسه الأخير
علي سرير الموت يرتجف ، خائفا لم يقد للحياة شيئ ولم يأخذ منها شيء.
صفحة بيضاء، لم يخط بها قلم ولا سطرت صفحته قط.
ينظر حوله لا يري سواء اسرره لإناس لم يخرج احد يمشي قط.
الكل محمول علي اعناق غيرهم ، عويل وصياح ونحيب وصراخ وشق لجيوبا.
لم تشقق من قبل لإحدا.
أب ، أخ او زوج غالي أصبح مرحوماَ!

ثم ياتي ليل اخر بسواده وسكونه إلا من صراخ وغناء لصراير الحديقة ، سمعتها يقولوا نحن الاحياء في هذا الكون. وسمعت آنيين مريض يتوجع ، سيغادر جسده بعد يوم أو يومين.

ويظل الطفل مرتجفاَ
يسمع همس كلام ،
يسمع صوت طيب يجزم أن الموت آت ، آت.
وأبا تذرف عينه دموع منفطر قلبه
ولدي ، ولدي لن يرحل قبلي سيعيش ، سيعيش
يده ملفوفا بيدي وبيده الأخرة مسبحا "حمدا لله ما أعطي ، حمدا لله".
الكل فقد رجائه.
الطفل محتاج لمعجزة وزمان الاعجاز قد ذهب وولا.

الطفل نائم في سريرَ والموت يطوف وكئان الحلم حياة
أطياف بيضاء ورمادية تحلق من حوله وتحوم ، وثرثرة لم يدرك منها شيء.
ينتفضد الجسد بين الفينة والاخر.
وانيين من شدة آلم.
لم يبكي فبكائه حرم.
لم يبكي في قومه إلا النسوة .... وأبي.

وأبي لا يمك غير دعاء وبكاء ورجاء.
لرب يسمع يبصر ويجييب أحيانا.
لو ييئس يوما من رحمة ربه.
--
--
وتمر ايام.
ويخرج الطفل من رحم الأموات حيا علي قدميه.
ويعيش الطفل طويلاَ رغم توكيد العلماء.

في مشهدا اخر كنت ذاهبا مع أبي لزيارة الطبيب.
فقال الحج سيظل معنا يوما او يومين
وسيخرج
ويشهد ذبح خروف العيد.
ويوزع لحمه علي الفقراء والمساكين.
رزقا قد كتب إليهم.
وجلسنا في المشفي سويا.
---
في غفلة.
فررت روحه إلي بارئها.
--
لم أمسك يده
لم أقراء له قرآناَ
لم أدعو برحمة
لم تذرف عيني بدمعة
--
أتذكر عجزي وضعفي لحظة موته
لم أملك شيئ ، لا أعرف شيئ
لم أدعو برحمة

في ذكري رحيل الجسد
تتوحد روحي وروحه
أتذكر همسه في أذني.
اسمع نبض كلامه
--
في ذكري رحيل الجسد
لا أملك غير الصبر
والصبر مفتاح وطريق
--
أحلم
بلقائه ولو حلمنا
بلسمة يدهه تداعبني

أدعو
أدعو الله أن يغفر لي ما سلف
--
في ذكري رحيل الجسد
أتمني
أتمني يا أبي تسامحني
لم أمسك يدك
لم أقراء لك قرآنا
لم أدعو الله إليك برحمة


No comments: